Home
مار برصوم Mor Barsoumo
مار برصوم الناسك علم من أعلام الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وعرف برئيس النساك. سيرته بقيت نبراساً لكثيرين من النساك والرهبان. ولد مار برصوم (برصوم كلمة سريانية مركبة من ܒܪ: ابن و ܨܘܡܐ: الصوم أي ابن الصوم) في قرية "عوتن" بكورة سميساط في النصف الثاني من القرن الرابع من أبوين فاضلين هما ܚܢܘܟ أخنوخ وܣܟܝܐ سكيا وتتلمذ في صباه لمار إبراهيم الكبير ناسك الجبل الشامخ المجاور لسميساط حيث رضع حليب التقوى وخوف الله وأخذ طريقته في الزهادة . وبعد وفاة معلمه، قرر زيارة الأماكن المقدسة سيراً على الأقدام فاكتسى بثوب خشن واتجه صوب فلسطين وهو لا يحمل شيئاً ووصل الديار المقدسة بعد سفر متعب وشاق وتبرك منها، ولما عاد انفرد في الزهد والتقشف، وكان يقتات النباتات البرية وثمار الأشجار .
بنى له أهل القرية ديراً ثم لحق به واحد ثم ثلاثة فازداد عدد الطلاب مع الأيام. وفي أمسية هادئة من أمسيات الصيف الصافية، وقف خارج صومعته ورفع عينيه فرأى النجوم تلمع في كبد السماء كأنها حبات لؤلؤ انتثرت فوق قطيفة سوداء، فتملكه خشوع ورهبة، فتمتم "إن العبد لا يجسر على الجلوس في حضرة سيده، فكيف أجسر أنا على الاتكاء في حضرة سيد السموات والأرض" ومنذ تلك الساعة صلب نفسه أمام الله . هذا ما يذكره مدون سيرته تلميذه الراهب صموئيل في مدح لهذا القديس: (برصوم الذي صبر على التجارب مصلوباً أمام ربه خمسين سنة، كان يشبه عموداً من حديد لا ينعس ليل نهار، وكانت قامته منحنية من الصباح حتى المساء . انتهت أيام حياته وختم طلبته، ولما أنهى الطوباوي صلاته انتقل إلى جوار ربه" .
وفي أحد الأيام، رآه أحد الأخوة يصلي بعيداً، وإذ سطع في السماء نور كأنه برق خاطف، انقض على القديس بشبه لسان ناري، فتملك الأخ خوف شديد ومضى وقص على الأخوة ما رآه قائلاً: "إن الأخ برصوم قد قبل الموهبة التي أعطيت للرسل الأطهار، واعتقد بأن حكمة هذا الأخ ستفوق حكمة الكثيرين من معلمي الكنيسة وكتابها ".
وفي سنة (449) استدعاه القيصر ثاودوسيوس الثاني لحضور مجمع أفسس الثاني ممثلاً رؤساء الأديار المقدسة، وإذ كان غيوراً على العقيدة الأرثوذكسية ومحرضاً المؤمنين على التمسك بالإيمان الأرثوذكسي، إيمان المجامع المسكونية الثلاثة المقدسة. رافضاً المجمع الخلقيدوني وأتباعه، حتى ألقي القبض عليه وسيق إلى العاصمة للمحاكمة، فصاح الحاكم في وجهه قائلاً: "ألا تعلم بأني أستطيع أن أنفيك إلى أرض لا ماء فيها" فأجابه القديس: "إن رب الينابيع سيرسل لي مطراً من السماء، أو يفجر لي ينبوعاً في الأرض، فهل بإمكانك أن تنفيني إلى حيث لا يوجد الله ؟ "فقال القاضي بكبرياء : "أجل، إني قادر على ذلك". فقال له القديس: "ليس موضع خال من الله سوى الكرسي الذي أنت جالس عليه والعرش الذي يتربع عليه ملكك مرقيان، فإذا نفيتني إلى هذين الموضعين أيضاً سيأتي الله إليه لأجلي". فتميز القاضي غيظاً وأقسم بأنه سيقطعه إرباً إرباً، فقال له برصوم: "يا هذا إن أباك وسيدك ثاودوسيوس كانا يقفا لي إجلالاً. وأنت تحاكمني وتتوعدني؟ لذلك أقول لك أنك لن تنظر بعد في قضية أخرى . فباغتته رعشة، بارح على إثرها كرسيه، ثم عاجله الموت .
هذا الحادث ألقى الرعب في قلب مرقيان نفسه، ففكر في صرف القديس من سجنه إلى ديره فعرض عليه أن يقبض من الخزينة ما تكفي حاجته وحاجة رهبانه والمغادرة . ولكنه غادر العاصمة دون أن يأخذ شيئاً. وكتبت إليه الملكة بلخاريا قائلة: " لقد أردناك أباً ومرشدا لنا فأبيت , لذلك أمرناك بالعودة إلى ديرك، بسلام، فلا نحن نأتي إليك ولا أنت تأتي إلينا" فأجابها أنه سيفعل ذلك ولكنه واثق بأنها ستغادر مملكتها قبل وصوله إلى ديره، فتمت نبوته وماتت بلخاريا قبل أن يصل إلى ديره .
أما الأساقفة الخلقيدونيون، كتبوا إلى كثير من الكنائس يحرمونه، ولكن رسائلهم قوبلت بالرفض والامتهان. أما الجمهور صرخ معلناً عن غضبه مستنكراً الحرم الجائر ومعلناً تمسكه ببرصوم وإيمانه المستقيم . وإذ فشل الخلقيدونيون بهذه أيضاً، حرضوا الملك مرقيان على إرسال قوة عسكرية لإلقاء القبض عليه فلما سمع القديس الخبر قال: " لي وطيد الأمل بالمسيح , بأن سلطة مرقيان لن تسري علي، بل إن موتي سينتزعه من أرض الأحياء ".
وكان كذلك، ولما أراد الرب أن ينقله من هذا العالم أرسل إليه ملاكه يعرفه إنه لم يبق له إلا أربعة أيام، فأوصى تلاميذه أن يذهبوا إلى بعض البلاد المجاورة، ويثبتوا أهلها على الإيمان الأرثوذكسي، ثم باركهم وتنيح بسلام. وقد ظهر وقت نياحته عمود نور قائم على باب قلايته، أبصره المؤمنون من بعد، فأتوا ووجدوه قد تنيح، فتباركوا منه ودفنوه بإكرام.
وما كادت روح الناسك البار تنتقل إلى الخدور العلوية في (3- شباط 457) حتى بلغ الرهبان نبأ هلاك مرقيان .
هذا بعض مما قيل في مدحه: "من عظامك نستمد المعونة أيها البارز بين الكاملين والصفي برصوم، الشفيع الحق. أطلب باهتمام من السيد الكل عوضاً عنا ليمنح المرضى شفاءً، وينجينا، نحن الذين لا نكف عن مدحك، من أنواع الهموم والشدائد".
|