Home
دير مار كبرئيل في طورعبدين
عن البطريركية ـــ وردتنا الكثير من الأسئلة التي تستفسر عن مشكلة دير مار كبرئيل، السبب الرئيس الذي أوجب على قداسة سيدنا البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص الكلي الطوبى السفر إلى الجمهورية التركية واللقاء بأكبر الشخصيات الحكومية فيها، فنوجز ههنا ما يهم القارئ معرفته عن دير مار كبرئيل والمشكلة التي تعترضه.
القديس مار كبرئيل: في عام 574 للميلاد ولد من أبوين فاضلين مؤمنين في قرية باقسيان الواقعة في طورعبدين جنوب شرق تركيا، وتعلم في مدرسة كنيسة القرية ورسم شماساً، أراد أبويه أن يزوجاه ولكنه أحب خدمة الرب وأن يكرِّس حياته لله، فغادر بيت أهله وتتلمذ لدى ناسك فاضل اسمه جاروجي (كيوركيس)، وبعد أن علمه واختبره بأمور كثيرة ألبسه زي الرهبنة المقدس، وكان يقضي ليله كله بالسهر والصلاة، ويمضي يومه
ممارساً أعمال التنسك والفروض الرهبانية، إذ كان يمشي حافياً صيفاً وشتاء ولا ينام سوى ساعتين ويحمل على جسده أثقالاً.
وبعد أن قضى سبع سنين أراد ان يبتعد من مدينتة ومن ضغوط الاهل فأذن له معلمه فذهب إلى دير مار شمعون وهناك رحب به الرهبان وأعطوه قلاية عاش معهم سنوات كثيرة لمسوا فيه التواضع والمحبة والاعمال الصالحة وجعلوه فيما بعد رئيسا للدير ومن ثم مطراناً للأبرشية.
عمل بجد وتفان مع الصغير والكبير مع الغريب والقريب، وقد منحه الله موهبة اجتراح المعجزات فأقام ثلاث أموات، الأول كان رئيس دير الصليب والثاني ابن أرملة والثالث كان شاب من قرية آلين، كما أنه تكلم مع الراهب يوحنا بعد وفاته بسنة، إذ تقول القصة أن تاجر عربي قدم من المنطقة الجنوبية ومعه ذهب كثير وجمال محملة كان ينوي السفر إلى البلاد الشمالية، ففكر ان يستودع الذهب الذي معه إلى راهب شيخ صديق له اسمه يوحنا كان واثقاً من استقامته وزهده فترك عنده الف دينار ذهبا على ان يسترجعها ان عاد حيا وان مات في الطريق كتب الراهب إلى عبيده لياتوا ويأخذوها، أما الراهب الشيخ فسكت ولم يتكلم بشيء ورحل العربي نحو الشمال يصحبه عبيده ومكث هناك ثلاث سنين، وزاد الرب تجارته باضعاف كثيرة، وحدث أن توفي الراهب يوحنا قبل عودته بسنة، ولم يوص أحداً بشيء عن الذهب، ولما عاد العربي إلى الدير ليأخذ وديعته، لم يجد صديقه الراهب يوحنا بين رهبان الدير فسألهم عن الراهب يوحنا وعن الوديعة التي تركها عنده منذ سنة، فأعلموه بأنه قد توفي، فسألهم إذا كان قد أوصى بشيء له، فاجابوه بالنفي، بيد أن له تلميذاً وهو نقي مثله، فاذا كان قد اوصاه بشيء عن الذهب فلا يكتمه، ولما سأله العربي عن الذهب، أجابه الراهب بأن لا علم له بما يقول، حينئذ استاقه العربي إلى عبيده وربطه بسلاسل وأغلال ولما اشرقت الشمس بدأ بتعذيبه، ولما سمع الرهبان صوت بكائه المر أخبروا مار كبرئيل فاسرع إليه فوجده في عذاب مر، فتالم لأجله كثيراً، ثم قال للعربي: هلم معي لنسأل المتوفي ليقول لنا أين وضع ذهبك وأخذه وذلك التلميذ ومضوا إلى بيت القديسين ووقف هناك في الصلاة وطلب من الله أن يزكي عبده ويخلصه ولما انتهى من صلاته صرخ بصوت عال وقال: بالله الذي عملت البر أمامه وخدمته بالحق، قل لنا أيها الأب المبارك أين هو ذهب العربي صديقك؟ وفي الحال جاء من القبر صوت يقول: إنه في نفس المكان الذي وضعه فيه هو بيده، ولا يعرف به أحد سواه، ومن تلك اللحظة لم يفارق ذلك العربي الدير الذي يتكلم فيه الأحياء مع الأموات، فاستدعى عبيده وأعتقهم وأعطاهم من الذهب وصرفهم حيث يشاؤون، وترك ما بقي لفائدة الدير وتتلمذ واعتمد ودعي باسم صديقه يوحنا، وابتنى له مظلة ذات رواقين خارج باب بيت القديسين شمالاً ولم يحِد من هناك صيفا وشتاء إلى يوم وفاته.
عاش القديس مار كبرئيل 74 سنة، ولبس الإسكيم الرهباني وهو في الخامسة عشر، وصار رئيساً لدير مار شمعون الذي سمي باسمه فيما بعد دير مار كبرئيل وهو في الخامسة والثلاثين، ومطراناً وهو في الستين ورقد بالرب في 23/12/667.
ودير مار كبرئيل: يعتبر أقدم دير باق للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وواحد من أقدم الأديرة المسيحية والمراكز الروحية في العالم، يقع في منطقة طورعبدين يعود بناؤه للقرن الرابع الميلادي (397)، أسسه الراهب صموئيل (409+) والراهب شمعون (433+)، كما أنّ بعض مباني الدير شيدت تحت رعاية الأباطرة آركاديوس وهونوريوس و ثيودوسيوس الثاني وأناستاسيوس ولا تزال قائمة حتى اليوم، يضم الدير الكثير من التحف المعمارية التي يعود تاريخها للقرنين الخامس والسادس للميلاده مثل قطع موزاييك بيزنطية نادرة، قبب، أروقة، أبراج، شرفات، أبواب ونقوش وأعمال حرفية جميلة. تتخذ أبنية الدير تصاميم هندسية مختلفة وذلك بسبب بناءه في مراحل وحقب مفاوتة.
عُرِف الدير بدير العمر (ديرو دعومرو) و (عومرو دمور كبرييل (ومعناها (مقر الإقامة) أي مكان إقامة الرهبان، ومن تلك التسمية اشتقت التسمية العربية دير العُمر والتي استعملت كذلك في اللغة التركية وفي نفس الوقت سمي بدير قرطمين بسبب قرية قرطمين الواقعة بالقرب منه.
ودير مار كبرئيل اليوم هو مركز أبرشية طورعبدين، ومقر نيافة الحبر الجليل المطران مار طيمثاوس صموئيل أقطاش، كما يعتبر الدير مركز لاهوتياً تخرج فيه الكثير من المطارنة والرهبان والكهنة، وهو لا يزال اليوم عامر بالرهبان والراهبات والإكليريكيين.
تعرّض الدير في الآونة الأخيرة إلى نزاع مسلح وقع ولا يزال في منطقة الدير بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، حيث يتعرّض الدير بين الحين والآخر لمضايقات من قبل القرى المجاورة، بالاضافة إلى مشكلات حول ملكية بعض الأراضي التي تحيط بالدير، خاصة وأن هذه الأراضي غير مسجلة بسند ملكية رسمي لأوقاف الدير، وقد أصدرت الحكومة التركية قراراً بضم هذه الأراضي إلى الخزينة العامة، ووضعها تحت تصرف وزارة البيئة والغابات، كما أن هناك مشكلة تعترض الدير كونه يدرس اللغة السريانية المقدسة لطلابه وللإكليريكيين.
ونختتم بما قاله قداسة سيدنا البطريرك خلال زيارته إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: (إن حجنا للقدس لا يكمل إلا بزيارة دير مار كبرئيل، وإن دير مار كبرئيل وما له من أراضي وعقارات هي ضمن المقدسات السريانية).
دير مار كبرئيل قديماً
دير مار كبرئيل حديثاً
|